داود ويوناثان

20 وَهَرَبَ دَاوُدُ مِنْ نَايُوتَ فِي الرَّامَةِ وَالْتَقَى بِيُونَاثَانَ وَسَأَلَهُ: «مَاذَا جَنَيْتُ، وَمَاذَا اقْتَرَفْتُ مِنْ إِثْمٍ فِي حَقِّ أَبِيكَ حَتَّى يُصِرَّ عَلَى قَتْلِي؟» فَأَجَابَهُ: «مَعَاذَ اللهِ أَنْ تَمُوتَ! فَإِنَّ أَبِي لَا يُقْدِمُ عَلَى أَمْرٍ كَبِيرٍ أَمْ صَغِيرٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُطْلِعَنِي عَلَيْهِ، فَلِمَاذَا يُخْفِي عَنِّي أَمْراً كَهَذَا؟ إِنَّ مَخَاوِفَكَ لَا أَسَاسَ لَهَا مِنَ الصِّحَّةِ». فَأَقْسَمَ دَاوُدُ قَائِلاً: «إِنَّ أَبَاكَ يُدْرِكُ أَنَّنِي حَظِيتُ بِرِضَاكَ، لِذَلِكَ قَالَ فِي نَفْسِهِ: لأَكْتُمَنَّ الأَمْرَ عَنْ يُونَاثَانَ لِئَلّا يَطْغَى عَلَيْهِ الْغَمُّ. وَلَكِنِّي أُقْسِمُ لَكَ بِاللهِ الْحَيِّ، كَمَا أُقْسِمُ بِحَيَاتِكَ، إِنَّهُ لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَ الْمَوْتِ سِوَى خُطْوَةٍ». فَأَجَابَ يُونَاثَانُ: «مَهْمَا تَطْلُبْهُ نَفْسُكَ أَفْعَلْهُ لَكَ». فَقَالَ دَاوُدُ لِيُونَاثَانَ: «غَداً هُوَ الاحْتِفَالُ بِأَوَّلِ أَيَّامِ الشَّهْرِ، حَيْثُ مِنْ عَادَتِي أَنْ أَجْلِسَ مَعَ الْمَلِكِ حَوْلَ مَائِدَةِ الأَكْلِ وَلَكِنْ دَعْنِي أَذْهَبُ فَأَخْتَبِئَ فِي الْحَقْلِ إِلَى مَسَاءِ الْيَوْمِ الثَّالِثِ. فَإِذَا افْتَقَدَنِي أَبُوكَ، فَقُلْ لَهُ: قَدِ اسْتَأْذَنَ مِنِّي فِي الذَّهَابِ إِلَى بَيْتِ لَحْمٍ مَدِينَتِهِ لِلْمُشَارَكَةِ فِي الذَّبِيحَةِ السَّنَوِيَّةِ الَّتِي تُقَامُ لِكُلِّ الْعَشِيرَةِ. فَإِنْ قَالَ: حَسَناً، فَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ خَادِمَكَ فِي أَمَانٍ. وَلَكِنْ إِنِ اشْتَعَلَ غَيْظاً فَاعْلَمْ أَنَّهُ يُضْمِرُ لِيَ الشَّرَّ. أَمَّا أَنْتَ فَتَكُونُ قَدْ صَنَعْتَ خَيْراً مَعَ خَادِمِكَ، وَفَاءً بِمَا قَطَعْتَ لَهُ مِنْ عَهْدٍ أَشْهَدْتَ عَلَيْهِ الرَّبَّ. وَإِنْ كَانَ فِيَّ إِثمٌ فَخَيْرٌ أَنْ تَقْتُلَنِي أَنْتَ مِنْ أَنْ تُسْلِمَنِي لأَبِيكَ». فَقَالَ يُونَاثَانُ: «مَعَاذَ اللهِ أَنْ يَحْدُثَ ذَلِكَ، لأَنَّهُ لَوْ عَلِمْتُ أَنَّ أَبِي يُضْمِرُ لَكَ شَرّاً، أَفَمَا كُنْتُ أُخْبِرُكَ؟» 10 وَتَسَاءَلَ دَاوُدُ: «مَنْ يُخْبِرُنِي إِنْ رَدَّ عَلَيْكَ أَبُوكَ بِجَوَابٍ فَظٍّ؟» 11 فَأَجَابَهُ يُونَاثَانُ: «تَعَالَ نَخْرُجُ إِلَى الْحَقْلِ». فَانْطَلَقَا مَعاً إِلَى الْحَقْلِ.

12 وَهُنَاكَ قَالَ يُونَاثَانُ لِدَاوُدَ: «لِيَكُنِ الرَّبُّ إِلَهُ إِسْرَائِيلَ شَاهِداً أَنَّهُ إِنْ كَشَفْتُ عَنْ نِيَّةِ أَبِي مِنْ نَحْوِكَ غداً أَوْ بَعْدَ غَدٍ، فِي مِثْلِ هَذَا الْوَقْتِ، فَوَجَدْتُ أَنَّهُ يَكُنُّ لَكَ الْخَيْرَ وَلَمْ أُرْسِلْ لأُطْلِعَكَ عَلَيْهِ، 13 فَلْيُعَاقِبِ الرَّبُّ يُونَاثَانَ أَشَدَّ عُقُوبَةٍ وَيَزِدْ. وَإِنْ أَضْمَرَ لَكَ أَبِي سُوءاً فَإِنَّنِي أُخْبِرُكَ وَأُطْلِقُكَ، فَتَنْصَرِفُ بِسَلامٍ، وَلْيَكُنِ الرَّبُّ مَعَكَ كَمَا كَانَ مَعَ أَبِي. 14 وَلا تَقْصُرُ خَيْرَ الرَّبِّ عَلَيَّ فِي أَثْنَاءِ حَيَاتِي. 15 بَلِ احْفَظِ الْعَهْدَ نَفْسَهُ مَعَ عَائِلَتِي إِلَى الأَبَدِ، حَتَّى حِينَ يَقْضِي الرَّبُّ عَلَى جَمِيعِ أَعْدَائِكَ». 16 وَهَكَذَا أَبْرَمَ يُونَاثَانُ عَهْداً مَعَ بَيْتِ دَاوُدَ قَائِلاً: «وَلْيُعَاقِبْكَ الرَّبُّ بِيَدِ أَعْدَائِكَ إِنْ خُنْتَ الْعَهْدَ». 17 ثُمَّ عَادَ يُونَاثَانُ يَسْتَحْلِفُ دَاوُدَ بِمَحَبَّتِهِ لَهُ لأَنَّهُ أَحَبَّهُ كَمَحَبَّتِهِ لِنَفْسِهِ.

18 وَقَالَ لَهُ يُونَاثَانُ: «غَداً يَكُونُ الاحْتِفَالُ بِأَوَّلِ الشَّهْرِ فَيَفْتَقِدُونَكَ لأَنَّ مَوْضِعَكَ يَكُونُ خَالِياً. 19 وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ، عِنْدَ حُلُولِ الْمَسَاءِ، تَأْتِي مُسْرِعاً إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي اخْتَبَأْتَ فِيهِ عِنْدَمَا لَمْ يَكُنْ زِمَامُ الأَمْرِ قَدْ أَفْلَتَ بَعْدُ، وَتَجْلِسُ إِلَى جِوَارِ حَجَرِ الافْتِرَاقِ. 20 فَأَرْمِي أَنَا ثَلاثَةَ سِهَامٍ إِلَى جَانِبِهِ وَكَأَنَّنِي أَسْتَهْدِفُ غَرَضاً. 21 وَعِنْدَئِذٍ أُرْسِلُ الْغُلامَ قَائِلاً: ’اذْهَبْ وَالْتَقِطِ السِّهَامَ‘ فَإِنْ قُلْتُ لَهُ: ’هَا السِّهَامُ إِلَى جَانِبِكَ فَأَحْضِرْهَا‘ تَعَالَ، لأَنَّهُ حَيٌّ هُوَ الرَّبُّ، أَنْتَ فِي أَمَانٍ وَلا خَطَرَ عَلَيْكَ. 22 وَلَكِنْ إِنْ قُلْتُ لِلْغُلامِ: ’هَا السِّهَامُ أَمَامَكَ فَتَقَدَّمْ‘ فَامْضِ لأَنَّ الرَّبَّ قَدْ أَطْلَقَكَ. 23 أَمَّا مَا جَرَى بَيْنَنَا مِنْ حَدِيثٍ فَلْيَكُنِ الرَّبُّ شَاهِداً عَلَيْهِ إِلَى الأَبَدِ».

24 فَاخْتَبَأَ دَاوُدُ فِي الْحَقْلِ. وَفِي أَوَّلِ يَوْمٍ مِنَ الشَّهْرِ جَلَسَ الْمَلِكُ لِتَنَاوُلِ الطَّعَامِ 25 فِي مَقْعَدِهِ الْمُعْتَادِ عِنْدَ الْحَائِطِ، وَجَلَسَ يُونَاثَانُ فِي مُوَاجَهَتِهِ. أَمَّا أَبْنَيْرُ فَقَدِ احْتَلَّ مَقْعَداً إِلَى جِوَارِ شَاوُلَ. 26 وَلَمْ يُعَلِّقْ شَاوُلُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ عَلَى غِيَابِ دَاوُدَ، ظَنّاً مِنْهُ أَنَّ عَارِضاً قَدْ أَلَمَّ بِهِ وَأَنَّهُ غَيْرُ طَاهِرٍ طِبْقاً لِلشَّرِيعَةِ. 27 وَلَكِنْ عِنْدَمَا خَلا مَوْضِعُ دَاوُدَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي مِنَ الشَّهْرِ، سَأَلَ شَاوُلُ يُونَاثَانَ ابْنَهُ: «لِمَاذَا تَغَيَّبَ ابْنُ يَسَّى عَنِ الطَّعَامِ أَمْسِ وَالْيَوْمَ؟» 28 فَأَجَابَ يُونَاثَانُ: «لَقَدِ اسْتَأْذَنَ دَاوُدُ مِنِّي لِلذَّهَابِ إِلَى بَيْتِ لَحْمٍ، 29 وَقَالَ: دَعْنِي أَذْهَبُ لأَنَّ عَشِيرَتِي تُقَدِّمُ ذَبِيحَةً فِي الْمَدِينَةِ، وَقَدْ أَوْصَانِي أَخِي بِالْحُضُورِ. فَإِنْ حَظِيتُ بِرِضَاكَ فَدَعْنِي أَمْضِي لأَرَى إِخْوَتِي، لِذَلِكَ تَغَيَّبَ عَنْ مَائِدَةِ الْمَلِكِ».

30 فَاسْتَشَاطَ شَاوُلُ غَضَباً عَلَى يُونَاثَانَ وَقَالَ لَهُ: «يَا ابْنَ الْمُتَعَوِّجَةِ الْمُتَمَرِّدَةِ، أَتَظُنُّ أَنَّنِي لَمْ أَعْلَمْ أَنَّ انْحِيَازَكَ لاِبْنِ يَسَّى يُفْضِي إِلَى خِزْيِكَ وَخِزْيِ أُمِّكَ الَّتِي أَنْجَبَتْكَ؟ 31 فَمَادَامَ ابْنُ يَسَّى حَيًّا فَإِنَّكَ لَا تَسْتَقِرُّ أَنْتَ وَلا مَمْلَكَتُكَ. وَالآنَ أَرْسِلْ وَاقْبِضْ عَلَيْهِ، وَأْتِ بِهِ لأَنَّهُ مَحْكُومٌ عَلَيْهِ بِالْمَوْتِ». 32 فَأَجَابَ يُونَاثَانُ: «لِمَاذَا يُقْتَلُ، وَأَيُّ ذَنْبٍ جَنَاهُ؟» 33 فَصَوَّبَ شَاوُلُ الرُّمْحَ نَحْوَهُ لِيَطْعَنَهُ، فَأَدْرَكَ يُونَاثَانُ عَلَى الْفَوْرِ أَنَّ وَالِدَهُ مُصِرٌّ عَلَى قَتْلِ دَاوُدَ. 34 فَغَادَرَ الْمَائِدَةَ وَالْغَضَبُ الْجَامِحُ يَعْصِفُ بِهِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقْرُبَ الطَّعَامَ إِذْ سَاءَهُ تَصَرُّفُ وَالِدِهِ الْمُخْزِي مِنْ نَحْوِ دَاوُدَ. وَكَانَ ذَلِكَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ.

35 وَخَرَجَ فِي صَبَاحِ الْيَوْمِ الثَّالِثِ إِلَى الْحَقْلِ كَمَا اتَّفَقَ مَعَ دَاوُدَ، يُرَافِقُهُ غُلامٌ صَغِيرٌ. 36 فَقَالَ لِغُلامِهِ: «أَسْرِعْ وَالْتَقِطِ السِّهَامَ الَّتِي أَرْمِي بِها». وَبَيْنَمَا كَانَ الْغُلامُ رَاكِضاً رَمَى السَّهْمَ حَتَّى جَاوَزَ الْغُلامَ. 37 وَعِنْدَمَا وَصَلَ الْغُلامُ إِلَى مَوْضِعِ السَّهْمِ الَّذِي رَمَاهُ نَادَى يُونَاثَانُ الْغُلامَ: «أَلَيْسَ السَّهْمُ أَمَامَكَ؟» 38 ثُمَّ عَادَ يَهْتِفُ بِهِ: «عَجِّلْ أَسْرِعْ! لَا تَقِفْ». فَالْتَقَطَ الْغُلامُ السَّهْمَ وَجَاءَ بِهِ إِلَى سَيِّدِهِ. 39 وَلَمْ يَعْلَمِ الْغُلامُ بِمَا يَجْرِي، أَمَّا يُونَاثَانُ وَدَاوُدُ فَهُمَا وَحْدَهُمَا اللَّذَانِ كَانَا مُطَّلِعَيْنِ عَلَى الأَمْرِ. 40 فَعَهَدَ يُونَاثَانُ بِسِلاحِهِ إِلَى الْغُلامِ قَائِلاً لَهُ: «اذْهَبْ، وَادْخُلْ بِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ». 41 وَمَا إِنْ تَوَارَى الْغُلامُ عَنِ الأَنْظَارِ حَتَّى بَرَزَ دَاوُدُ مِنَ الْجِهَةِ الْجَنُوبِيَّةِ وَسَقَطَ عَلَى وَجْهِهِ إِلَى الأَرْضِ سَاجِداً ثَلاثَ مَرَّاتٍ، وَقَبَّلَ كُلٌّ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ، وَبَكَيَا مَعاً. وَكَانَ بُكَاءُ دَاوُدَ أَشَدَّ مَرَارَةً. 42 وَقَالَ يُونَاثَانُ لِدَاوُدَ: «امْضِ بِسَلامٍ لأَنَّنَا كِلَيْنَا حَلَفْنَا عَلَى صَدَاقَتِنَا بِاسْمِ الرَّبِّ قَائِلَيْنِ: لِيَكُنِ الرَّبُّ شَاهِداً بَيْنِي وَبَيْنَكَ، وَبَيْنَ نَسْلِي وَنَسْلِكَ إِلَى الأَبَدِ». ثُمَّ افْتَرَقَا. فَذَهَبَ دَاوُدُ فِي طَرِيقِهِ، أَمَّا يُونَاثَانُ فَرَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ.

دَاوُدُ وَيُونَاثَانُ يَتَعَاهَدَان

20 وَهَرَبَ دَاوُدُ مِنْ مِنْطَقَةِ سَكَنِ الأنْبِيَاءِ فِي الرَّامَةِ وَلَجَأ إلَى يُونَاثَانَ وَسَألَهُ: «مَا هِيَ الإسَاءَةُ الَّتِي ارتَكَبتُهَا؟ وَمَا هُوَ جُرمِي؟ وَمَا هُوَ مَأخَذُ أبِيكَ عَلَيَّ حَتَّى يَسْعَى إلَى قَتلِي؟»

فَأجَابَ يُونَاثَانُ: «لَا يُعقَلُ أنْ يَكُونَ هَذَا صَحِيحًا! وَلَا أُصَدّقُ أنَّ أبِي يَسْعَى إلَى قَتلِكَ. فَهُوَ لَا يَفْعَلُ كَبِيرَةً أوْ صَغِيرَةً دُونَ أنْ يُطلعَنِي عَلَيْهَا. فَلِمَاذَا يُخفِي عَنِّي نِيَّتَهُ فِي قَتلِكَ؟ لَا يُمْكِنُ أنْ يَكُونَ هَذَا صَحِيحًا!»

لَكِنَّ دَاوُدَ قَالَ: «يَعْلَمُ أبُوكَ يَقِينًا أنَّكَ تُحِبُّنِي كَثِيرًا. وَلِهَذَا قَالَ فِي نَفْسِهِ: ‹لَا يَنْبَغِي أنْ يَعْلَمَ يُونَاثَانُ بِهَذَا الأمْرِ، لِأنَّهُ إنْ عَلِمَ، فَسَيُخبِرُ دَاوُدَ.› وَأنَا أُقسمُ بِاللهِ الحَيِّ، وَبحَيَاتِكَ، إنِّي عَلَى بُعْدِ خُطوَةٍ مِنَ المَوْتِ.»

فَقَالَ يُونَاثَانُ لِدَاوُدَ: «اطلُبْ إلَيَّ مَا تُرِيدُ. وَأنَا مُسْتَعِدٌّ لِعَمَلِهِ!»

فَقَالَ دَاوُدُ: «اسْمَعْ، غَدًا هُوَ عِيدُ أوَّلِ الشَّهْرِ ووَلِيمَتُهُ. وَيُفتَرَضُ أنْ أتَنَاوَلَ الطَّعَامَ مَعَ المَلِكِ. لَكِنْ دَعنِي أختَبِئُ فِي الحَقْلِ حَتَّى مَسَاءِ يَوْمِ بَعْدَ غَدٍ. فَإذَا لَاحَظَ أبُوكَ غيَابِي، قُلْ لَهُ: ‹ذَهَبَ دَاوُدُ إلَى بَيْتِهِ فِي بَيْتِ لَحْمٍ. فَهُوَ يَحْتَفِلُ مَعَ كُلِّ عَائِلَتِهِ بِهَذِه الذَّبِيحَةِ الشَّهْرِيَّة. وَقَدِ استَأْذَنَنِي دَاوُدُ بِالنُّزُولِ إلَى بَيْتِ لَحْمٍ لِلِانضِمَامِ إلَى عَائِلَتِهِ.› فَإذَا قَالَ أبُوكَ: ‹حَسَنًا،› أكُونُ فِي أمَانٍ. أمَّا إذَا غَضِبَ أبُوكَ، حِينَئِذٍ، تَتَيَقَّنُ أنَّهُ يَنوي الشَّرَّ لِي. اصنَعْ مَعِي هَذَا المَعرُوفَ يَا يُونَاثَانُ، فَأنَا خَادِمُكَ، وَقَدْ تَعَاهَدْنَا عَلَى الصَّدَاقَةِ وَالوَفَاءِ فِي حَضْرَةِ اللهِ. لَكنْ إنْ كُنْتُ أنَا مُذْنِبًا، فَاقتُلنِي بِنَفْسِكَ. لَكنْ لَا تُسْلِمْني إلَى أبِيكَ لِيَقْتُلَنِي.»

فَأجَابَ يُونَاثَانُ: «لَنْ أسمَحَ أبَدًا بِهَذَا! فَإذَا عَلِمْتُ أنَّ أبِي يُخَطِّطُ لِإيذَائِكَ، سَأُحَذِّرُكَ.»

10 فَقَالَ دَاوُدُ: «مَنْ سَيُحَذِّرُنِي إنْ رَدَّ عَلَيْكَ أبُوكَ بِكَلَامٍ قَاسٍ؟»

11 فَقَالَ يُونَاثَانُ: «هَيَّا بِنَا نَخرُجُ إلَى الحَقل.» فَذَهَبَا مَعًا إلَى الحَقل.

12 وَقَالَ يُونَاثَانُ لدَاوُدَ: «أقطَعُ لَكَ هَذَا الوَعدَ فِي حَضْرَةِ اللهِ، إلَهِ إسْرَائِيلَ، بِأنْ أكتَشِفَ نَوَايَا أبِي نَحوَكَ، خَيْرًا كَانَتْ أمْ شَرًّا. وَبَعْدَ ثَلَاثَةِ أيَّامٍ سَأُرْسِلُ رِسَالَةً إلَيْكَ فِي الحَقْلِ. 13 فَإنْ كَانَ أبِي يَضْمُرُ لَكَ شَرًّا، سَأُخبِرُكَ بِذَلِكَ. وَسَأُطلِقُكَ بِسَلَامٍ. لَيتَكَ يَا اللهُ تُعَاقِبُنِي إنْ لَمْ أفِ بِوَعدِي هَذَا. أمَّا أنْتَ يَا دَاوُدُ، فَلْيَكُنِ اللهُ مَعَكَ كَمَا كَانَ مَعَ أبِي. 14 أظهِرْ لِي إحسَانَ اللهِ مَا دُمتُ حَيًّا. وَإذَا مِتُّ، 15 فَلَا تَمْنَعْ إحسَانَكَ عَنْ عَائِلَتِي. وَسَيُكَافِئُكَ اللهُ بِأنْ يَقْطَعَ مِنَ الأرْضِ أعْدَاءَكَ جَمِيعًا.»

16 فَقَطَعَ يُونَاثَانُ عَهْدًا مَعَ عَائِلَةِ دَاوُدَ، وَطَلَبَ إلَى اللهِ أنْ يَحميَ دَاوُدَ مِنْ أعْدَائِهِ. 17 ثُمَّ طَلَبَ يُونَاثَانُ مِنْ دَاوُدَ أنْ يَحْلِفَ عَلَى هَذَا العَهْدِ بِمَحَبَّتِهِ لَهُ، فَقَدْ أحَبَّهُ أكْثَرَ مِنْ حَيَاتِهِ.

18 وَقَالَ يُونَاثَانُ لِدَاوُدَ: «غَدًا هُوَ عِيدُ أوَّلِ الشَّهْرِ. وَسَيُلَاحِظُ النَّاسُ غِيَابَكَ. 19 وَبَعْدَ غَدٍ، اذْهَبْ إلَى المَكَانِ نَفْسِهِ الَّذِي اختَبَأتَ فِيهِ أوَّلَ مَرَّةٍ. وَانتَظِرْ قُرْبَ تِلْكَ التَّلَّةِ. 20 سَأُصَوِّبُ سِهَامًا ثَلَاثَ إلَى جَانِبِ التَّلَّةِ، وَكَأنَّنِي أُصَوِّبُ نُحْوَ هَدَفٍ مُحَدَّدٍ. 21 ثُمَّ سَأقُولُ لِخَادِمِي: ‹اذهَبْ وَالتَقِطِ السِّهَامَ.› فَإنْ قُلْتُ لَهُ: ‹قَدْ تَعَدَّيتَ السِّهَامَ، فَارجِعْ وَالتَقِطهَا.› حِينَئِذٍ، تَخْرُجُ مِنْ مَخبَإكَ. وَأُقْسِمُ بِاللهِ الحَيِّ، إنَّكَ سَتَكُونُ بِأمَانٍ. 22 أمَّا إنْ قُلْتُ لِخَادِمِي: ‹مَا تَزَالُ السِّهَامُ بَعِيدَةً عَنْكَ.› فَاهْرُبْ! فَاللهُ سَيُرسِلُكَ بَعيدًا. 23 وَلَا تَنْسَ العَهْدَ الَّذِي بَيْنِي وَبَيْنَكَ. فَاللهُ شَاهِدٌ عَلَيْهِ إلَى الأبَدِ.» 24 فَاختَبَأ دَاوُدُ فِي الحَقْلِ.

مَوقِفُ شَاوُلَ فِي مَأدُبَةِ العِيد

وَجَاءَ مَوعِدُ مَأدُبَةِ عيدِ أوَّلِ الشَّهْرِ. فَجَلَسَ المَلِكُ لِيَأْكُلَ. 25 وَكَانَ المَلِكُ جَالِسًا كَعَادَتِهِ إلَى جِدَارِ الحَائِطِ، بَيْنَمَا جَلَسَ يُونَاثَانُ مُقَابِلَهُ. وَجَلَسَ أبْنَيْرُ إلَى جَانِبِ شَاوُلَ. أمَّا مَكَانُ دَاوُدَ فَكَانَ فَارِغًا. 26 فِي ذَلِكَ اليَوْمِ لَمْ يَقُلْ شَاوُلُ شَيْئًا. وَقَدْ قَالَ فِي نَفْسِهِ: «رُبَّمَا حَدَثَ شَيءٌ نَجَّسَهُ فَلَمْ يَكُنْ مُسْتَعِدًّا لِلِاشتِرَاكِ فِي الِاحْتِفَالِ.»

27 وَفِي اليَوْمِ التَّالِي، فِي اليَوْمِ الثَّانِي مِنَ الشَّهْرِ، كَانَ مَكَانُ دَاوُدَ مَا يَزَالُ فَارِغًا. فَقَالَ شَاوُلُ لِابْنِهِ يُونَاثَانَ: «لِمَاذَا لَمْ يَحْضُرِ ابْنُ يَسَّى إلَى مَأدُبَةِ عِيدِ أوَّلِ الشَّهْرِ لَا أمْسِ وَلَا اليَوْمَ؟» 28 فَأجَابَ يُونَاثَانُ: «طَلَبَ دَاوُدُ إذنًا مِنِّي بِالذَّهَابِ إلَى بَيْتِ لَحْمٍ. 29 فَقَدْ قَالَ لِيَ: ‹اسمَحْ لِي بِأنْ أذهَبَ. فَعَائِلَتُنَا سَتُقَدِّمُ ذَبِيحَةً للهِ فِي بَيْتِ لَحْمٍ. وَقَدْ ألَحَّ عَلَيَّ أخِي أنْ أكُونَ هُنَاكَ. فَإنْ كُنْتُ عَزِيزًا عَلَيْكَ، اسْمَحْ لِي بِأنْ أذهَبَ وَأرَى إخْوَتِي.› لِذَلِكَ لَمْ يَأْتِ دَاوُدُ إلَى مَائِدَةِ المَلِكِ.»

30 فَغَضِبَ شَاوُلُ غَضَبًا شَدِيدًا مِنْ يُونَاثَانَ. وَقَالَ لَهُ: «يَا ابْنَ المُنحَرِفَةِ المُتَمَرِّدَةِ! أعْرِفُ أنَّكَ اختَرْتَ ابْنَ يَسَّى صَدِيقًا لَكَ. غَيْرَ أنَّ صَدَاقَتَكَ لَهُ سَتَجْلِبُ العَارَ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمِّكَ. 31 وَمَا دَامَ ابْنُ يَسَّى عَلَى قَيدِ الحَيَاةِ، لَنْ تَكُونَ مَلِكًا وَلَنْ تَكُونَ لَكَ مَملَكَةٌ. وَالْآنَ، انْصَرِفْ وَأحْضِرْ لِي دَاوُدَ. وَسَيَكُونُ المَوْتُ مَصِيرَهُ.»

32 فَسَألَ يُونَاثَانُ أبَاهُ: «لِمَاذَا تُرِيدُ أنْ تَقْتُلَ دَاوُدَ؟ مَا هُوَ جُرمُهُ؟» 33 لَكِنَّ شَاوُلَ رَمَى رُمْحَهُ عَلَى يُونَاثَانَ وَحَاوَلَ ضَرْبَهُ بِهِ. فَتَيَقَّنَ يُونَاثَانُ أنَّ أبَاهُ مُصَمِّمٌ عَلَى قَتلِ دَاوُدَ. 34 فَغَضِبَ يُونَاثَانُ وَتَرَكَ المَائِدَةَ. وَقَدْ بَلَغَ بِهِ الِانْزِعَاجُ وَالغَضَبُ أنَّهُ رَفَضَ أنْ يَأْكُلَ الطَّعَامَ فِي اليَوْمِ الثَّانِي مِنْ الِاحْتِفَالِ. غَضِبَ لِأنَّ أبَاهُ أخزَاهُ أمَامَ الآخَرِينَ وَنَوَى أنْ يَقْتُلَ دَاوُد.

دَاوُدُ وَيُونَاثَانُ يُوَدِّعُ أحَدُهُمَا الآخَر

35 وَفِي صَبَاحِ اليَوْمِ التَّالِي، خَرَجَ يُونَاثَانُ إلَى الحَقْلِ حَسَبَ مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ مَعَ دَاوُدَ. وَكَانَ يُرَافِقُهُ خَادِمُهُ. 36 فَقَالَ يُونَاثَانُ لِخَادِمِهِ: «اركُضْ وَالتَقِطِ السِّهَامَ الَّتِي أُطلِقُهَا.» فَلَمَّا رَكَضَ، أطلَقَ يُونَاثَانُ سَهمًا مِنْ فَوقِ رَأسِهِ لِيَتَجَاوَزَهُ. 37 فَلَّمَا وَصَلَ الخَادِمُ إلَى مَوضِعِ سُقُوطِ السِّهمِ، نَادَى يُونَاثَانُ وَقَالَ: «مَا زَالَتِ السِّهَامُ بَعِيدَةً عَنْكَ.» 38 ثُمَّ صَرَخَ يُونَاثَانُ: «أسرِعْ! تَحَرَّكْ، لَا تَبْقَ حَيْثُ أنْتَ.» فَالتَقَطَ الصَّبِيُّ السِّهَامَ وَعَادَ بِهَا إلَى سَيِّدِهِ. 39 وَلَمْ يَكُنِ الصَّبِيُّ يَعْرِفُ أنَّ هَذِهِ عَلَامَةٌ بَيْنَ يُونَاثَانَ وَدَاوُدَ. 40 ثُمَّ أعْطَى يُونَاثَانُ الصَّبِيَّ قَوْسَهُ وَسِهَامَهُ، وَطَلَبَ إلَيْهِ أنْ يَعُودَ إلَى المَدِينَةِ.

41 وَبَعْدَ أنِ انصَرَفَ الصَّبِيُّ، خَرَجَ دَاوُدُ مِنْ مَخبَإهِ عَلَى الجَانِبِ الآخَرِ مِنَ التَّلَّةِ. وَجَثَا دَاوُدُ أمَامَ يُونَاثَانَ وَرَأسُهُ عَلَى الأرْضِ، وَحَنَى رَأسَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. ثُمَّ قَبَّلَ دَاوُدُ وَيُونَاثَانُ أحَدُهُمَا الآخَرَ. وَبَكَى أحَدُهُمَا عَلَى كَتِفِ الآخَرِ. فَكَانَ وَدَاعًا حَارًّا، لَكِنَّ دَاوُدَ بَكَى أكْثَرَ.

42 ثُمَّ قَالَ يُونَاثَانُ لِدَاوُدَ: «اذْهَبْ فِي سَلَامٍ. وَتَذَكَّرْ أنَّنَا تَعَاهَدنَا فِي حَضْرَةِ اللهِ عَلَى أنْ نَظَلَّ صَدِيقَينِ وَفِيَّينِ إلَى الأبَدِ، وَقَدْ أشْهَدْنَا اللهَ عَلَيْنَا وَعَلَى نَسْلَينَا إلَى الأبَدِ.»

ثُمَّ انصَرَفَ دَاوُدُ، وَرَجِعَ يُونَاثَانُ إلَى المَدِينَةِ.