مَثل الزارع

13 فِي ذَلِكَ الْيَومِ خَرَجَ مِنَ الْبَيْتِ وَجَلَسَ عَلَى شَاطِئِ الْبُحَيْرَةِ. فَاجْتَمَعَتْ إِلَيْهِ جُمُوعٌ كَثِيرَةٌ، حَتَّى إِنَّهُ صَعِدَ إِلَى الْقَارِبِ وَجَلَسَ، بَيْنَمَا وَقَفَ الْجَمْعُ كُلُّهُ عَلَى الشَّاطِئِ. فَكَلَّمَهُمْ بِأَمْثَالٍ فِي أُمُورٍ كَثِيرَةٍ، قَالَ: «هَا إِنَّ الزَّارِعَ قَدْ خَرَجَ لِيَزْرَعَ. وَبَيْنَمَا هُوَ يَزْرَعُ، وَقَعَ بَعْضُ الْبِذَارِ عَلَى الْمَمَرَّاتِ، فَجَاءَتِ الطُّيُورُ وَالتَهَمَتْهُ. وَوَقَعَ بَعْضُهُ عَلَى أَرْضٍ صَخْرِيَّةٍ رَقِيقَةِ التُّرْبَةِ، فَطَلَعَ سَرِيعاً لأَنَّ تُرْبَتَهُ لَمْ تَكُنْ عَمِيقَةً؛ وَلكِنْ لَمَّا أَشْرَقَتِ الشَّمْسُ، احْتَرَقَ وَيَبِسَ لأَنَّهُ كَانَ بِلا أَصْلٍ. وَوَقَعَ بَعْضُ الْبِذَارِ بَيْنَ الأَشْوَاكِ، فَطَلَعَ الشَّوْكُ وَخَنَقَهُ. وَبَعْضُ الْبِذَارِ وَقَعَ فِي الأَرْضِ الْجَيِّدَةِ، فَأَثْمَرَ بَعْضُهُ مِئَةَ ضِعْفٍ وَبَعْضُهُ سِتِّينَ، وَبَعْضُهُ ثَلاثِينَ. مَنْ لَهُ أُذُنَانِ فَلْيَسْمَعْ!»

10 فَتَقَدَّمَ إِلَيْهِ التَّلامِيذُ وَسَأَلُوهُ: «لِمَاذَا تُكَلِّمُهُمْ بِأَمْثَالٍ؟» 11 فَأَجَابَ: «لأَنَّهُ قَدْ أُعْطِيَ لَكُمْ أَنْ تَعْرِفُوا أَسْرَارَ مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ؛ أَمَّا أُولَئِكَ، فَلَمْ يُعْطَ لَهُمْ ذَلِكَ. 12 فَإِنَّ مَنْ عِنْدَهُ، يُعْطَى الْمَزِيدَ فَيَفِيضُ؛ وَأَمَّا مَنْ لَيْسَ عِنْدَهُ، فَحَتَّى الَّذِي عِنْدَهُ يُنْتَزَعُ مِنْهُ. 13 لِهَذَا السَّبَبِ أُكَلِّمُهُمْ بِأَمْثَالٍ: فَهُمْ يَنْظُرُونَ دُونَ أَنْ يُبْصِرُوا، وَيَسْمَعُونَ دُونَ أَنْ يَسْمَعُوا أَوْ يَفْهَمُوا. 14 فَفِيهِمْ قَدْ تَمَّتْ نُبُوءَةُ إِشَعْيَاءَ حَيْثُ يَقُولُ: سَمْعاً تَسْمَعُونَ وَلا تَفْهَمُونَ، وَنَظَراً تَنْظُرُونَ وَلا تُبْصِرُونَ. 15 لأَنَّ قَلْبَ هَذَا الشَّعْبِ قَدْ صَارَ غَلِيظاً، وَصَارَتْ آذَانُهُمْ ثَقِيلَةَ السَّمْعِ، وَأَغْمَضُوا عُيُونَهُمْ؛ لِئَلَّا يُبْصِرُوا بِعُيُونِهِمْ، وَيَسْمَعُوا بِآذَانِهِمْ، وَيَفْهَمُوا بِقُلُوبِهِمْ، وَيَرْجِعُوا إِلَيَّ، فَأَشْفِيَهُمْ! 16 وَأَمَّا أَنْتُمْ، فَطُوبَى لِعُيُونِكُمْ لأَنَّهَا تُبْصِرُ، وَلِآذَانِكُمْ لأَنَّهَا تَسْمَعُ. 17 فَالْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: كَمْ تَمَنَّى أَنْبِيَاءُ وَصَالِحُونَ كَثِيرُونَ أَنْ يَرَوْا مَا أَنْتُمْ تَرَوْنَ وَلَمْ يَرَوْا، وَأَنْ يَسْمَعُوا مَا تَسْمَعُونَ وَلَمْ يَسْمَعُوا!

18 فَاسْمَعُوا أَنْتُمْ مَعْنَى مَثَلِ الزَّارِعِ: 19 كُلُّ مَنْ يَسْمَعُ كَلِمَةَ الْمَلَكُوتِ وَلا يَفْهَمُهَا، يَأْتِي الشِّرِّيرُ وَيَخْطَفُ مَا قَدْ زُرِعَ فِي قَلْبِهِ: هَذَا هُوَ الْمَزْرُوعُ عَلَى الْمَمَرَّاتِ.

20 أَمَّا الْمَزْرُوعُ عَلَى أَرْضٍ صَخْرِيَّةٍ، فَهُوَ الَّذِي يَسْمَعُ الْكَلِمَةَ وَيَقْبَلُهَا بِفَرَحٍ فِي الْحَالِ، 21 وَلكِنَّهُ لَا أَصْلَ لَهُ فِي ذَاتِهِ، وَإِنَّمَا يَبْقَى إِلَى حِينٍ: فَحَالَمَا يَحْدُثُ ضِيقٌ أَوِ اضْطِهَادٌ مِنْ أَجْلِ الْكَلِمَةِ، يَتَعَثَّرُ.

22 أَمَّا الْمَزْرُوعُ بَيْنَ الأَشْوَاكِ، فَهُوَ الَّذِي يَسْمَعُ الْكَلِمَةَ، وَلكِنَّ هَمَّ الزَّمَانِ الْحَاضِرِ وَخِدَاعَ الْغِنَى يَخْنُقَانِ الْكَلِمَةَ، فَلا يُعْطِي ثَمَراً.

23 وَأَمَّا الْمَزْرُوعُ فِي الأَرْضِ الْجَيِّدَةِ فَهُوَ الَّذِي يَسْمَعُ الْكَلِمَةَ وَيَفْهَمُهَا، وَهُوَ الَّذِي يُعْطِي ثَمَراً. فَيُنْتِجُ الْوَاحِدُ مِئَةً، وَالآخَرُ سِتِّينَ، وَغَيْرُهُ ثَلاثِينَ!»

مَثل الحشائش الغريبة

24 وَضَرَبَ لَهُمْ مَثَلاً آخَرَ، قَالَ: «يُشَبَّهُ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ بِإِنْسَانٍ زَرَعَ زَرْعاً جَيِّداً فِي حَقْلِهِ. 25 وَبَيْنَمَا النَّاسُ نَائِمُونَ، جَاءَ عَدُوُّهُ، وَزَرَعَ حَشَائِشَ غَرِيبَةً فِي وَسَطِ الْقَمْحِ، وَمَضَى. 26 فَلَمَّا نَمَا الْقَمْحُ بِسَنَابِلِهِ، ظَهَرَتِ الحَشَائِشُ مَعَهُ. 27 فَذَهَبَ عَبِيدُ رَبِّ الْبَيْتِ، وَقَالُوا لَهُ: يَا سَيِّدُ، أَمَا زَرَعْتَ حَقْلَكَ زَرْعاً جَيِّداً؟ فَمِنْ أَيْنَ جَاءَتْهُ الحَشَائِشُ؟ 28 أَجَابَهُمْ إِنْسَانٌ عَدُوٌّ فَعَلَ هَذَا! فَسَأَلُوهُ: أَتُرِيدُ أَنْ نَذْهَبَ وَنَجْمَعَ الحَشَائشَ؟ 29 أَجَابَهُمْ: لا، لِئَلّا تَقْلَعُوا الْقَمْحَ وَأَنْتُمْ تَجْمَعُونَ الحَشَائشَ. 30 اُتْرُكُوهُمَا كِلَيْهِمَا يَنْمُوَانِ مَعاً حَتَّى الْحَصَادِ. وَفِي أَوَانِ الْحَصَادِ، أَقُولُ لِلْحَصَّادِينَ: الحَشَائشَ أَوَّلاً وَارْبِطُوهَا حُزَماً لِتُحْرَقَ. أَمَّا الْقَمْحُ، فَاجْمَعُوهُ إِلَى مَخْزَنِي».

مَثلا بِزرَة الخردل والخميرة

31 وَضَرَبَ لَهُمْ مَثَلاً آخَرَ، قَالَ: «يُشَبَّهُ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ بِبِزْرَةِ خَرْدَلٍ أَخَذَهَا إِنْسَانٌ وَزَرَعَهَا فِي حَقْلِهِ. 32 فَمَعَ أَنَّهَا أَصْغَرُ الْبُذُورِ كُلِّهَا، فَحِينَ تَنْمُو تُصْبِحُ أَكْبَرَ الْبُقُولِ جَمِيعاً، ثُمَّ تَصِيرُ شَجَرَةً، حَتَّى إِنَّ طُيُورَ السَّمَاءِ تَأْتِي وَتَبِيتُ فِي أَغْصَانِهَا».

33 وَضَرَبَ لَهُمْ مَثَلاً آخَرَ، قَالَ: «يُشَبَّهُ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ بِخَمِيرَةٍ أَخَذَتْهَا امْرَأَةٌ وَأَخْفَتْهَا فِي ثَلاثَةِ مَقَادِيرَ مِنَ الدَّقِيقِ، حَتَّى اخْتَمَرَ الْعَجِينُ كُلُّهُ». 34 هَذِهِ الأُمُورُ كُلُّهَا كَلَّمَ بِها يَسُوعُ الْجُمُوعَ بِأَمْثَالٍ. وَبِغَيْرِ مَثَلٍ لَمْ يَكُنْ يُكَلِّمُهُمْ، 35 لِيَتِمَّ مَا قِيلَ بِلِسَانِ النَّبِيِّ الْقَائِلِ: «سَأَفْتَحُ فَمِي بِأَمْثَالٍ، وَأَكْشِفُ مَا كَانَ مَخْفِيًّا مُنْذُ إِنْشَاءِ الْعَالَمِ».

تفسير مثل الحشائش الغريبة

36 ثُمَّ صَرَفَ يَسُوعُ الْجُمُوعَ وَرَجَعَ إِلَى الْبَيْتِ. فَتَقَدَّمَ إِلَيْهِ تَلامِيذُهُ وَقَالُوا: «فَسِّرْ لَنَا مَثَلَ حَشَائشِ الْحَقْلِ». 37 فَأَجَابَهُمْ: «الزَّارِعُ الزَّرْعَ الْجَيِّدَ هُوَ ابْنُ الإِنْسَانِ. 38 وَالْحَقْلُ هُوَ الْعَالَمُ. وَالزَّرْعُ الْجَيِّدُ هُوَ بَنُو الْمَلَكُوتِ. وَالحَشَائِشُ الْغَرِيبَةُ هُمْ بَنُو الشِّرِّيرِ. 39 أَمَّا الْعَدُوُّ الَّذِي زَرَعَ الحَشَائشَ فَهُوَ إِبْلِيسُ. وَالْحَصَادُ هُوَ نِهَايَةُ الزَّمَانِ. وَالْحَصَّادُونَ هُمُ الْمَلائِكَةُ. 40 وَكَمَا تُجْمَعُ الحَشَائشُ وَتُحْرَقُ بِالنَّارِ، هَكَذَا يَحْدُثُ فِي نِهَايَةِ الزَّمَانِ: 41 يُرْسِلُ ابْنُ الإِنْسَانِ مَلائِكَتَهُ، فَيُخْرِجُونَ مِنْ مَلَكُوتِهِ جَمِيعَ الْمُفْسِدِينَ وَمُرْتَكِبِي الإِثْمِ، 42 وَيَطْرَحُونَهُمْ فِي أَتُونِ النَّارِ، هُنَاكَ يَكُونُ الْبُكَاءُ وَصَرِيرُ الأَسْنَانِ. 43 عِنْدَئِذٍ يُضِيءُ الأَبْرَارُ كَالشَّمْسِ فِي مَلَكُوتِ أَبِيهِمْ. مَنْ لَهُ أُذُنَانِ، فَلْيَسْمَعْ!

مَثل الكنز ومَثل اللؤلؤة

44 يُشَبَّهُ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ بِكَنْزٍ مَطْمُورٍ فِي حَقْلٍ، وَجَدَهُ رَجُلٌ، فَعَادَ وَخَبَأَهُ. وَمِنْ فَرَحِهِ، ذَهَبَ وَبَاعَ كُلَّ مَا كَانَ يَمْلِكُ وَاشْتَرَى ذلِكَ الْحَقْلَ.

45 وَيُشَبَّهُ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ أَيْضاً بِتَاجِرٍ كَانَ يَبْحَثُ عَنِ اللَّآلِئِ الْجَمِيلَةِ. 46 فَمَا إِنْ وَجَدَ لُؤْلُؤَةً ثَمِينَةً جِدّاً، حَتَّى ذَهَبَ وَبَاعَ كُلَّ مَا يَمْلِكُ، وَاشْتَرَاهَا.

مَثل الشبكة

47 وَيُشَبَّهُ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ أَيْضاً بِشَبَكَةٍ أُلْقِيَتْ فِي الْبَحْرِ، فَجَمَعَتْ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ. 48 وَلَمَّا امْتَلأَتْ، جَذَبَهَا الصَّيَّادُونَ إِلَى الشَّاطِئِ وَجَلَسُوا، ثُمَّ جَمَعُوا مَا كَانَ جَيِّداً فِي سِلالٍ، وَطَرَحُوا الرَّدِيءَ خَارِجاً. 49 هكَذَا يَحْدُثُ فِي نِهَايَةِ الزَّمَانِ: يَأْتِي الْمَلائِكَةُ فَيُخْرِجُونَ الأَشْرَارَ مِنْ بَيْنِ الأَبْرَارِ، 50 وَيَطْرَحُونَهُمْ فِي أَتُونِ النَّارِ، هُنَاكَ يَكُونُ الْبُكَاءُ وَصَرِيرُ الأَسْنَانِ.

51 أَفَهِمْتُمْ هَذِهِ الأُمُورَ كُلَّهَا؟» أَجَابُوهُ: «نَعَمْ!» 52 فَقَالَ: «وَلِهَذَا السَّبَبِ، فَأَيُّ وَاحِدٍ مِنَ الْكَتَبَةِ يَصِيرُ تِلْمِيذاً لِمَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ، يُشَبَّهُ بِإِنْسَانٍ رَبِّ بَيْتٍ يُطْلِعُ مِنْ كَنْزِهِ مَا هُوَ جَدِيدٌ وَمَا هُوَ عَتِيقٌ!»

نبي بلا كرامة

53 وَبَعْدَمَا أَنْهَى يَسُوعُ هَذِهِ الأَمْثَالَ، انْتَقَلَ مِنْ هُنَاكَ.

54 وَلَمَّا عَادَ إِلَى بَلْدَتِهِ، أَخَذَ يُعَلِّمُ الْيَهُودَ فِي مَجَامِعِهِمْ، حَتَّى دُهِشُوا وَتَسَاءَلُوا: «مِنْ أَيْنَ لَهُ هَذِهِ الْحِكْمَةُ وَهَذِهِ الْمُعْجِزَاتُ؟ 55 أَلَيْسَ هُوَ ابْنَ النَّجَّارِ؟ أَلَيْسَتْ أُمُّهُ تُدْعَى مَرْيَمَ وَإخْوَتُهُ يَعْقُوبَ وَيُوسُفَ وَسِمْعَانَ وَيَهُوذَا؟ 56 أَوَلَيْسَتْ أَخَوَاتُهُ جَمِيعاً عِنْدَنَا؟ فَمِنْ أَيْنَ لَهُ هَذِهِ كُلُّهَا؟» 57 وَكَانُوا يَشُكُّونَ فِيهِ. أَمَّا هُوَ فَقَالَ لَهُمْ: «لا يَكُونُ النَّبِيُّ بِلا كَرَامَةٍ إِلّا فِي بَلْدَتِهِ وَبَيْتِهِ!» 58 وَلَمْ يُجْرِ هُنَاكَ إِلّا مُعْجِزَاتٍ قَلِيلَةً، بِسَبَبِ عَدَمِ إِيمَانِهِمْ بِهِ.

مَثَلُ البِذَار

(مَرْقُس 4‏:1‏-9؛ لُوقَا 8‏:4‏-8)

13 فِي ذَلِكَ اليَوْمِ، تَرَكَ يَسُوعُ البَيْتَ وَجَلَسَ عَلَى شَاطِئِ البُحَيرَةِ. فَاجتَمَعَتْ حَوْلَهُ جَمَاهِيرُ كَثِيرَةٌ. فصَعِدَ إلَى قَارِبٍ وَجَلَسَ فِيهِ، بَيْنَمَا وَقَفَ النَّاسُ عَلَى الشَّاطِئِ. وَقَالَ لَهُمْ أشْيَاءَ كَثِيرَةً بِأمثَالٍ. فَقَالَ لَهُمْ:

«خَرَجَ فَلَّاحٌ لِيَبْذُرَ. وَبَيْنَمَا هُوَ يَبْذُرُ، وَقَعَ بَعْضُ البِذَارِ إلَى جَانِبِ الطَّرِيقِ، فَجَاءَتِ الطُيُورُ وَأكَلَتهُ. وَوَقَعَ بَعْضُ البِذَارِ عَلَى أرْضٍ صَخرِيَّةٍ، حَيْثُ لَا تُوجَدُ تُربَةٌ كَافِيَةٌ، فَنَمَتِ الحُبُوبُ بِسُرعَةٍ لِأنَّ التُّربَةَ لَمْ تَكُنْ عَميقَةً. لَكِنْ عِنْدَمَا أشرَقَتِ الشَّمْسُ احتَرَقَتْ، وَلِأنَّهَا كَانَتْ بِلَا جُذورٍ ذَبُلَتْ. وَوَقَعَ بَعْضُ البِذَارِ عَلَىْ الأشوَاكِ. فَنَمَتِ الأشوَاكُ وَعَطَّلَتْ نُمُوَّهُ. وَوَقَعَتْ بُذُورٌ أُخْرَى عَلَى الأرْضِ الصَّالِحَةِ فَأثْمَرَ بَعْضُهَا مِئَةَ ضِعفٍ، وَبَعْضُهَا سِتِّينَ ضِعفًا، وَبَعْضُهَا ثَلَاثِينَ ضِعفًا. مَنْ لَهُ أُذُنَانِ، فَلْيَسْمَعْ.»

لِمَاذَا يعلِّمُ يَسُوعُ بِأمثَال

(مَرْقُس 4‏:10‏-12؛ لُوقَا 8‏:9‏-10)

10 وَجَاءَ إلَيْهِ التَّلَامِيذُ وَسَألُوهُ: «لِمَاذَا تَتَكَلَّمُ إلَيْهِمْ بِاسْتِخدَامِ الأمثلةِ الرَمزيَّةِ؟»

11 فَأجَابَهُمْ يَسُوعُ: «لَقَدْ أعطَاكُمُ اللهُ امتِيَازَ مَعْرِفَةِ سِرِّ مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ، وَلَكِنَّهُ لَمْ يُعْطِهِ لَهُمْ. 12 لِأنَّ كُلَّ مَنْ يَمْلِكُ[a] سَيُزَادُ لَهُ، وَيَفِيضُ عَنْهُ، أمَّا الَّذِي لَا يَمْلِكُ، فَسَيُنتَزَعُ مِنْهُ مَا لَهُ. 13 لِهَذَا أتَكَلَّمُ إلَيْهِمْ بِأمثَالٍ، فَمَعْ أنَّهُمْ يَرَوْنَ، إلَّا أنَّهُمْ لَا يُدرِكُونَ. وَمَعَ أنَّهُمْ يَسْمَعُونَ، إلَّا أنَّهُمْ لَا يَفْهَمُونَ. 14 وَبِهَذَا تَنْطَبِقُ عَلَيْهِمْ نُبُوَّةُ إشَعْيَاءَ:

‹سَتَسْمَعُونَ وَتَسْمَعُونَ،
لَكِنَّكُمْ لَنْ تَفْهَمُوا.
وَسَتَنْظُرُونَ وَتَنْظُرُونَ،
لَكِنَّكُمْ لَنْ تُبْصِرُوا.
15 فَقَدْ صَارَ ذِهْنُ هَذَا الشَّعْبِ بَلِيدًا،
وَصَارَ سَمَعُهُمْ ثَقيلًا.
أغمَضُوا عُيُونَهُمْ،
فَلَا يَقْدِرُونَ أنْ يُلَاحِظُوا بِعُيُونِهِمْ،
وَلَا أنْ يَسْمَعُوا بِآذَانِهِمْ،
وَلَا أنْ يَفْهَمُوا بِقُلُوبِهِمْ،
لِكَيْ لَا يَرْجِعُوا إلَيَّ فَأَشْفِيَهُمْ.›[b]

16 أمَّا أنْتُمْ فَهَنِيئًا لِعُيُونِكُمْ لِأنَّهَا تَرَى، وَآذَانِكُمْ لِأنَّهَا تَسْمَعُ. 17 أقُولُ الحَقَّ لَكُمْ، إنَّ مُلُوكًا وَأبْرَارًا كَثِيرِينَ اشْتَاقُوا أنْ يَرَوْا مَا تَرَوْنَ وَلَمْ يَرَوْا، وَاشْتَهَوْا أنْ يَسْمَعُوا مَا تَسْمَعُونَ وَلَمْ يَسْمَعُوا.

مَعنَى مَثَلِ البِذَار

(مَرْقُس 4‏:13‏-20؛ لُوقَا 8‏:11‏-15)

18 «فَاسْتَمِعُوا إلَى شَرْحِ مَثَلِ البِذَارِ: 19 عِنْدَمَا يَسْمَعُ شَخْصٌ رِسَالَةَ المَلَكُوتِ وَلَا يَفْهَمُهَا، يَأتِي الشِّرِّيرُ[c] وَيَأْخُذُ البُذُورَ الَّتِي زُرِعَتْ فِي قَلْبِهِ. هَذَا هُوَ مَعنَى البُذُورِ الَّتِي سَقَطَتْ إلَى جَانِبِ الطَّرِيقِ.

20 «أمَّا الَّتِي سَقَطَتْ عَلَى الأرْضِ الصَّخرِيَّةِ، فَتُشْبِهُ مَنْ يَسْمَعُ الكَلِمَةَ فَيَقْبَلُهَا حَالًا بِفَرَحٍ، 21 لَكِنْ لِأنَّهُ بِلَا جُذُورٍ فِي نَفْسِهِ، فَإنَّهُ يَصْمُدُ لِوَقْتٍ قَصِيرٍ، وَعِنْدَمَا يَأتِي الضِّيقُ وَالاضْطِهَادُ بِسَبَبِ الكَلِمَةِ الَّتِي قَبِلَهَا، يَفْقِدُ إيمَانَهُ سَرِيعًا.

22 «أمَّا الَّتِي سَقَطَتْ بَيْنَ الأشوَاكِ، فَتُشبِهُ مَنْ يَسْمَعُ الكَلِمَةَ، لَكِّنَّ هُمُومَ الحَيَاةِ، وَإغرَاءاتِ المَالِ تَخْنُقُ الكَلِمَةَ، فَلَا تُثمِرُ.

23 «أمَّا الَّذِي زُرِعَ عَلَى الأرْضِ الصَّالِحَةِ، فَهُوَ الَّذِي يَسْمَعُ الكَلِمَةَ وَيَفْهَمُهَا فَيُثمِرَ بِالفِعِلِ. فَيَحْصُدَ مَرَّةً مِئَةَ ضِعفٍ، وَمَرَّةً سِتِّينَ ضِعفًا، وَمَرَّةً ثَلَاثِينَ ضِعفًا.»

مَثَلُ القَمْحِ وَالأعشَابِ الضَّارَّة

24 وَقَالَ لَهُمْ مَثَلًا آخَرَ: «يُشْبِهُ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ رَجُلًا زَرَعَ بُذُورًا جَيِّدَةً فِي حَقلِهِ. 25 وَلَكِنْ بَيْنَمَا كَانَ النَّاسُ نَائِمِينَ، جَاءَ عَدُوُّ الرَّجُلِ وَبَذَرَ أعشَابًا ضَارَّةً بَيْنَ القَمْحِ ثُمَّ ذَهَبَ. 26 وَعِنْدَمَا نَبَتَ القَمْحُ وَشَكَّلَ سَنَابِلَ، نَبَتَتِ الأعشَابُ الضَّارَّةُ كَذَلِكَ. 27 فَجَاءَ إلَيْهِ عَبِيدُهُ وَقَالُوا لَهُ: ‹يَا سَيِّدُ، ألَمْ تَزْرَعْ بُذُورًا جَيِدَةً فِي حَقلِكَ؟ فَمِنْ أيْنَ إذًا جَاءَتْ هَذِهِ الأعشَابُ الضَّارَّةُ؟›

28 «فَأجَابَهُمُ الرَّجُلُ: ‹عَدُوِّي فَعَلَ ذَلِكَ.› فَسَألَهُ عَبِيدُهُ: ‹هَلْ تُرِيدُنَا أنْ نَذهَبَ وَنَقتَلِعَهَا؟›

29 «فَأجَابَ الرَّجُلُ: ‹لَا، لِأنَّكُمْ عِنْدَمَا تَقْتَلِعُونَ الأعشَابَ الضَّارَّةَ، قَدْ تَقْتَلِعُونَ القَمْحَ مَعَهَا. 30 دَعُوهُمَا يَنْمُوانِ مَعًا حَتَّى وَقْتِ الحَصَادِ، حِينَئِذٍ سَأقُولُ لِلحَصَّادِينَ: اجمَعُوا الأعشَابَ الضَّارَّةَ أوَّلًا، وَاحزِمُوهَا فِي حُزَمٍ لِلحَرِيقِ. أمَّا القَمْحُ فَاجمَعُوهُ وَضَعُوهُ فِي مِخزَنِي.›»

مَثَلُ نُمُوِّ بِذرَةِ الخَردَلِ

(مَرْقُس 4‏:30‏-34؛ لُوقَا 13‏:18‏-21)

31 ثُمَّ قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ مَثَلًا آخَرَ: «يُشْبِهُ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ بِذرَةَ خَردَلٍ أخَذَهَا إنْسَانٌ وَزَرَعَهَا فِي حَقلِهِ. 32 إنَّهَا أصغَرُ البُذُورِ. لَكِنْ عِنْدَمَا تَنْمُو، فَإنَّهَا تَكُونُ أكبَرَ نَبَاتَاتِ البَسَاتِينِ، إذْ تُصبِحُ شَجَرَةً كَبِيرَةً، حَتَّىْ إنَّ طُيورَ السَّمَاءِ تَأْتِي إلَيْهَا، وَتَصْنَعُ أعشَاشَهَا فِي أغْصَانِهَا.»

مَثَلُ الخَمِيرَة

33 وَقَالَ لَهُمْ مَثَلًا آخَرَ: «يُشْبِهُ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ خَمِيرَةً أخَذَتْهَا امْرأةٌ وَخَلَطَتْهَا فِي ثَلَاثَةِ مَقَادِيرَ مِنَ الطَّحِينِ حَتَّى اختَمَرَ العَجِينُ كُلُّهُ.»

34 قَالَ يَسُوعُ كُلَّ هَذِهِ الأُمُورِ مُسْتَخْدِمًا الأمثَالَ. وَلَمْ يَكُنْ يُكَلِّمُ النَّاسَ إلَّا بِأمثَالٍ. 35 فَهَذَا هُوَ مَا قَالَهُ اللهُ عَلَىْ لِسَانِ النَّبِيِّ:

«سَأفتَحُ فَمِي بِأمثَالٍ،
وَسَأنطِقُ بِأُمُورٍ مَخفِيَّةٍ مُنْذُ أنْ خُلِقَ العَالَمُ.»[d]

مَعنى مَثَلِ القَمْحِ وَالأعشَابِ الضَّارَّة

36 حِينَئِذٍ صَرَفَ يَسُوعُ الجُمُوعَ، وَدَخَلَ إلَى البَيْتِ. فَتَقَدَّمَ إلَيْهِ تَلَامِيذُهُ وَقَالُوا: «اشْرَحْ لَنَا مَثَلَ الأعشَابِ الضَّارَّةِ فِي الحَقْلِ.»

37 فَقَالَ لَهُمْ: «الَّذِي زَرَعَ البُذُورَ الجَيِّدَةَ هُوَ ابْنُ الإنْسَانِ، 38 وَالحَقلُ هُوَ العَالَمُ، وَالبُذُورُ الجَيِّدَةُ هُمُ الَّذِينَ لَهُمُ المَلَكُوتُ. أمَّا الأعشَابُ الضَّارَّةُ فَهُمُ الَّذِينَ يَنْتَمُونَ إلَى الشِّرِّيرِ. 39 وَالعَدُوُّ الَّذِي بَذَرَهُمْ هُوَ إبْلِيسُ. وَالحَصَادُ هُوَ نِهَايَةُ العَالَمِ. وَالحَصَّادُونَ هُمُ المَلَائِكَةُ.

40 «وَكَمَا أنَّ الأعشَابَ الضَّارَّةَ تُجمَعُ وَتُحرَقُ بِالنَّارِ، هَكَذَا سَتَكُونُ نِهَايَةُ العَالَمِ. 41 إذْ سَيُرسِلُ ابْنُ الإنْسَانِ مَلَائِكَتَهُ الَّذِينَ سَيَجْمَعُونَ مِنْ مَلَكُوتِهِ كُلَّ المُفسِدِينَ وَالأشرَارِ، 42 ثُمَّ يَطْرَحُونَهُمْ فِي الفُرنِ المُشْتَعِلِ. هُنَاكَ يَبْكِي النَّاسُ وَيَصِرُّونَ عَلَى أسنَانِهِمْ. 43 حِينَئِذٍ سَيَسْطَعُ الأبْرَارُ كَالشَّمْسِ فِي مَلَكُوتِ أبِيهِمْ. مَنْ لَهُ أُذُنَانِ، فَلْيَسْمَعْ.

مَثَلَا الكَنْزِ وَالَلُؤلُؤَة

44 «يُشْبِهُ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ كَنْزًا مَدْفُونًا فِي حَقْلٍ. وَجَدَهُ شَخْصٌ فَدَفَنَهُ ثَانِيَةً. وَلِشِدَّةِ فَرَحِهِ، ذَهَبَ وَبَاعَ كُلَّ مَا يَمْلِكُهُ وَاشتَرَى ذَلِكَ الحَقلَ.

45 «وَيُشْبِهُ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ تَاجِرًا يَبْحَثُ عَنْ لآلِئَ جَمِيلَةٍ. 46 وَعِنْدَمَا وَجَدَ لُؤلُؤَةً ثَمِينَةً جِدًّا، ذَهَبَ وَبَاعَ كُلَّ مَا يَمْلِكُهُ وَاشْتَرَاهَا.

مَثَلُ شَبَكَةِ الصَّيد

47 «وَيُشْبِهُ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ شَبَكَةً أُلقِيَتْ إلَى البُحَيرَةِ، وَأمسَكَتْ سَمَكًا مِنْ أنوَاعٍ مُخْتَلِفَةٍ. 48 وَعِنْدَمَا امتَلأتِ الشَّبَكَةُ، سَحَبَهَا الصَّيَّادُونَ إلَى الشَّاطِئِ. ثُمَّ جَلَسُوا وَأخَذُوا يَختَارُونَ السَّمَكَ الجَيِّدَ وَيَضَعُونَهُ فِي سِلَالٍ، أمَّا السَّمَكُ الرَّدِيءُ فَألقَوْهُ خَارِجًا. 49 هَذَا مَا سَيَحْدُثُ فِي نِهَايَةِ العَالَمِ، إذْ سَتَأْتِي المَلَائِكَةُ وَسَتَفْصِلُ الأشرَارَ عَنِ الأبْرَارِ، 50 ثُمَّ تُلقِي الأشرَارَ إلَى الفُرنِ المُشْتَعِلِ. هُنَاكَ يَبْكِي النَّاسُ وَيَصِرُّونَ عَلَى أسنَانِهِمْ.»

51 وَسَألَ يَسُوعُ تَلَامِيذَهُ: «هَلْ تَفْهَمُونَ جَمِيعَ هَذِهِ الأُمُورِ؟» فَأجَابُوا: «نَعَمْ.»

52 فَقَالَ لَهُمْ: «لِذَلِكَ كُلُّ مُعَلِّمٍ لِلشَّرِيعَةِ يَتَعَلَّمُ عَنْ مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ، هُوَ مِثْلُ رَبِّ بَيْتٍ يُخرِجُ مِنْ مَخزَنِ البَيْتِ أشْيَاءَ جَدِيدَةً وَأشْيَاءَ عَتِيقَةً.»

يَسُوعُ يَذْهَبُ إلَى مَدِينَتِه

(مَرْقُس 6‏:1‏-6؛ لُوقَا 4‏:16‏-30)

53 وَلَمَّا انْتَهَى يَسُوعُ مِنَ سَرْدِ تِلْكَ الأمثَالِ، تَرَكَ ذَلِكَ المَكَانَ. 54 وَلَمَّا ذَهَبَ إلَى بَلدَتِهِ، ابتَدَأ يُعَلِّمُهُمْ فِي مَجمَعِهِمْ. فَاندَهَشَ الجَمِيعُ وَقَالُوا: «مِنْ أيْنَ جَاءَ هَذَا الرَّجُلُ بِهَذِهِ الحِكْمَةِ وَهَذِهِ المُعجِزَاتِ؟ 55 ألَيْسَ هُوَ ابْنَ النَّجَّارِ؟ ألَيْسَتْ أُمُّهُ مَرْيَمَ؟ ألَيْسَ إخْوَتُهُ يَعْقُوبَ وَيُوسُفَ وَسِمعَانَ وَيَهُوذَا؟ 56 ألَا تُقيمُ جَمِيعُ أخَوَاتِهِ بَيْنَنَا؟ فَمِنْ أيْنَ حَصَلَ عَلَى كُلِّ مَا لَدَيهِ؟» 57 فَكَانَ ذَلِكَ عَائِقًا يَمْنَعُهُمْ مِنْ قُبُولِهِ.

أمَّا يَسُوعُ فَقَالَ لَهُمْ: «لَا يَكُونُ نَبِيٌّ بِلَا كَرَامَةٍ إلَّا فِي وَطَنِهِ وَفِي بَيْتِهِ!» 58 فَلَمْ يَعْمَلْ مُعجِزَاتٍ كَثِيرَةً هُنَاكَ، بِسَبَبِ عَدَمِ إيمَانِهِمْ.

Footnotes

  1. 13‏:12 من يملك ربمَا المقصودُ «من يملك فهمًا.»
  2. 13‏:15 إشَعْيَاء 6‏:9‏-10.
  3. 13‏:19 الشّرير أيْ الشيطَان. (أيْضًا فِي العَدَد 38)
  4. 13‏:35 المَزْمُور 78‏:2.